قوبل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ، اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير ، بمعارضة عربية واسلامية وافريقية واسعة ، وسط مخاوف على جهود السلام الجارية في البلاد.
وكان المدعي العام للمحكمة لويس مورينو اوكامبو طلب رسميا امس اصدار مذكرة توقيف بحق البشير بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وابادة ارتكبت في دارفور. وهذا اول طلب اعتقال رئيس دولة يمارس مهامه امام المحكمة .
وجاء في بيان اصدره مكتب اوكامبو ان المدعي العام قدم ادلة تظهر ان الرئيس السوداني ارتكب جرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في دارفور . واضاف ان المدعي خلص الى ان هناك اسبابا معقولة للاعتقاد بان البشير يتحمل مسؤولية جنائية تتعلق بعشر تهم ابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب . واتهم اوكامبو الارجنتيني الجنسية الرئيس السوداني بانه يريد وضع حد لتاريخ شعوب دارفور، (قبائل) الفور والمساليت والزغاوى .
ورد ناطق باسم الحكومة السودانية معلنا رفضه طلب المدعي العام.
وقال الناطق كمال عبيد اننا الان ضد المحكمة الجنائية الدولية ونرفض اي قرار يصدر عنها . وردا على سؤال حول ما اذا كانت الحكومة السودانية ستتخذ اي موقف تجاه الامم المتحدة، اجاب عبيد اننا الان ضد المحكمة الجنائية الدولية واذا ما احالت المحكمة الامر الى الامم المتحدة فسيكون لنا رد فعل جديد .
من جهته انتقد مستشار الرئيس السوداني عبد الله مسار بشدة مطالبة الادعاء ، واصفا المحكمة بأنها مسيسة وغير محايدة . وقال أن أجهزة ومؤسسات الأمم المتحدة صارت مخالب قط للدول العظمى تمرر بها أجندتها السياسية .
ونصحت السفارات الغربية مواطنيها بالحد من الزيارات غير الضرورية الى السودان ورفعت الامم المتحدة من مستوى اجراءاتها الامنية خشية ان تؤدي توصية المدعي العام الى انتقام عنيف. ويخشى مسؤولون غربيون من ان يقدم السودان على طرد اعضاء قوة حفظ السلام او موظفي منظمات الاغاثة الدولية. الا ان الناطق باسم الخارجية السودانية نفى نية حكومته طرد موظفي الامم المتحدة او ديبلوماسيين اجانب ردا على تحرك المحكمة. وقال لن نطرد احدا من السودان، بل على العكس فاننا سنحميهم لان بعض عناصر المعارضة قد تستغل هذا الموقف وتعمل على مهاجمة سفارات اجنبية لكي تضع الحكومة في موقف حرج .
وفي نيويورك دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون امس حكومة الخرطوم الى ضمان سلامة العاملين مع الامم المتحدة. واصدر المكتب الصحافي للامين العام بيانا شدد فيه على ان المحكمة هي مؤسسة مستقلة والامم المتحدة تحترم استقلالية العملية القضائية .
من جهته اعلن البيت الابيض ان الولايات المتحدة ستدرس طلب المدعي العام داعيا كافة الاطراف الى الهدوء. وصرح الناطق باسم البيت الابيض غوردن جوندرو سنتابع الوضع في لاهاي وندرس ما طلبه المدعي . وذكر جوندرو بان الولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة . واضاف ندعو الان كافة الاطراف الى التزام الهدوء . وقال ان على السودان ان يكف عن اعمال العنف ضد شعبه وان يسمح بالعمل الانساني وبان تقوم قوة حفظ السلام بعملها وان يمتثل لقرارات مجلس الامن . واعلنت وزارة الخارجية الاميركية امس انها اتخذت الاجراءات المناسبة لحماية الموظفين الاميركيين في السودان، واقرت ان الجهود الدولية لتوقيف البشير قد تولد رد فعل عنيفا.
وفي وقت لاحق صرح البيت الابيض ان الرئيس الاميركي جورج بوش يشعر ب القلق العميق من تفاقم انعدام الامن في دارفور، وان بلاده تدرس حاليا وسائل تعزيز عديد قوة حفظ السلام وامكاناتها.
واعرب بوش اثناء لقاء مع مبعوثه الخاص الى السودان ريتشارد وليامسن عن القلق الشديد من تفاقم انعدام الامن وتاثيره على المدنيين والعمال الانسانيين الذين يخاطرون بحياتهم لحمايتهم .
اما الاتحاد الافريقي فقد اعرب عن خشيته من تقويض عملية السلام في السودان . وصرح الناطق باسم مفوضية الاتحاد القاسم واني ان موقف الاتحاد هو عدم اتخاذ اي اجراء قد يقوض عمليات السلام الجارية في السودان، ونحن اتخذنا اجراءات فورية بهذا المنحى . واضاف ان الاستشارات جارية لعقد اجتماع طارئ لمجلس السلم والامن على المستوى الوزاري، على الارجح في اديس ابابا .
كما اعلن تجمع دول الساحل والصحراء امس في طرابلس عن رفضه لما وصفه بالترهيب الذي يتعرض له الرئيس السوداني . وحذر التجمع من ان هذه التهديدات وتوجيه اي اتهام جنائي للسلطات العليا السودانية من شأنها زيادة تصلب المواقف وتقويض الجهود التي تبذلها الهيئات الإفريقية .
ودعا التجمع الذي يضم 28 دولة عربية وافريقية الى اعادة النظر في عضويتها في هذه المحكمة وفي كافة الأجهزة المماثلة .
كما حذرت احزاب المعارضة السودانية امس من ان صدور امر دولي بالقاء القبض على البشير سيزعزع استقرار الدولة وسيتسبب في انهيار دستوري .
وايد كثير من رموز المعارضة السياسية في السودان المحكمة الجنائية الدولية حين اصدرت امرا بالقاء القبض على الوزير السوداني احمد هارون وقائد ميلشيا متحالف مع الحكومة العام الماضي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. لكنهم يشعرون بأن صدور امر بالقاء القبض على البشير قبل اول انتخابات حرة في 23 عاما في السودان والمقرر اجراؤها في 2009 سيضر بفرص السلام.
اما متمردو دارفور فقد اعربوا عن ابتهاجهم بطلب التوقيف.
وقال محجوب حسين الناطق باسم احد فصائل التمرد ان تحرك المحكمة هو انتصار للانسانية في دارفور كما انه بداية للحرية في السودان . وفي القاهرة، أعلن مصدر رسمي في الجامعة العربية امس ان وزراء الخارجية العرب سيعقدون اجتماعا عاجلا في القاهرة لبحث مستجدات العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان . واعلن هشام يوسف مدير مكتب الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى للصحفيين انه تم الاتفاق على عقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بناء على طلب السودان .
كما صرح عبد المنعم مبروك مندوب السودان الدائم في الجامعة بأن الاجتماع العاجل سيعقد غدا.
وفي سياق رد الفعل العربي ايضا اعرب البرلمان العربي الانتقالي عن دهشته وقلقه من الاجراء ضد البشير.
وقال ان هذا يدعو الى الدهشة والأسف بل ويثير قلق الأمة العربية من ان تهيمن الدول الكبرى على المحكمة لتكون وسيلة ارهاب للدول الصغيرة.
وفي صنعاء أجرى الرئيس اليمنى علي عبد الله صالح اتصالا هاتفيا مساء الأحد بالرئيس السوداني عبر فيه عن تضامن بلاده معه إزاء القرار غير المسؤول للمحكمة.
وفي الرياض انتقد الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية امس الاتهامات ضد البشير واعرب عن امله في عدم صدور اي قرار من المحكمة يتبنى مطالب المدعي العام.
كما أعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن رفضها لملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للقادة السودانيين . وحذر أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام للمنظمة من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن يؤدي إليها مثل هذا التحرك الذي يأتي في توقيت بالغ الحساسية من شأنه أن يهدد السلام الهش في دارفور .