موضوع: نحن أم الغرب؟ هاني سلامة تامر حسني هند صبري الأحد 7 سبتمبر - 6:13:03
متى نتخلص من عقدة الاضطهاد؟ سؤال يفرض نفسه بقوة على ذهن المشاهد لفيلم "حالة حب" فالواقع يختلف تماماً عما نردده من شعارات، وهي أن الآخر لا يقبلنا و هناك عنصرية في التعامل معنا كعرب في دول أوروبا وأمريكا.. ولكن الحقيقة تعلن نفسها في جملة حوارية بين الصحفية التي قامت بدورها هند صبري ورئيس وكالة الأنباء الفرنسية التي تعمل بها حين اتهمته بالنظرة العنصرية التي يعاني منها العرب في فرنسا فكان رده هل هؤلاء العرب الحاصلين على الجنسية الفرنسية يشعرون بالفعل بانتماءهم إلى هذه البلد؟ السؤال الذي نجيب نحن عليه هو لا لأن العربي الذي يعيش في إحدي بلاد الغرب يعاني حالة إنشطار بين حياته في هذا البلد وحياته ما قبل قدومه أو حتى جذوره التي ينتمي إليها أباءه إذا كان ميلاده جاء في هذه البلاد حالة التشتت تلك هي التي تدفعنا كعرب للقول بأننا مختلفون وأن العالم من حولنا يدرك أننا مختلفون وتلك العقدة التي تنمو لتتحول داخلنا إلى مرضي فإذا كنا نحن لا نستطيع استيعاب اندماجنا في مجتمع غربي يختلف عن مجتمعنا فكيف نطالب بالآخر أن يقبلنا كجزء من مجتمعه. تلك هي الرسالة التي حاول الفيلم توصيلها إلينا ورغم نجاح الرسالة إلا أن الوسيلة لم تكن على مستوى العمق الذي بها الرسالة. فقصة الفيلم التي بدأنا الدخول إليها قبل التتيرات تدور حول أسرة مكونة من زوجين فنانين هما مها أبو عوف ومحمد مرشد وطفلان في مرحلة الطفولة (هاني سلامة ـ تامر حسني). وتكشف المشاهد الأولى الصراع بين الزوج والزوجة من أجل حلم الهجرة إلى باريس مدينة النور والفن بحثاً عن الشهرة ومابين شد وجذب يقرر الأب السفر وحده مصطحباً ابنه الأكبر بينما تمسكت الزوجة بعدم السفر، خوفاً من تكرار تجربة والدها الذي انخدع بهذا الوهم وينتقل الفيلم من مرحلة زمنية لأخرى من خلال التتيرات التي تلخص الكثير من تفاصيل البحث عن كل منهما الآخر وتنتهي الصلة بينهم اعتقاداً أن الأم والابن الآخر قد ماتا في الزلازل ومنذ بداية الفيلم نلمس الصراع في حياة كل ابن ففي الوقت الذي يعيش فيه الابن الأصغر نوع من الصراع من أجل إثبات وجوده كمطرب•• نجد أن الأكبر الذي يعيش في باريس ويرتبط بقصة حب مع الصحفية هند صبري أما عمله بإحدى شركات الدعاية والإعلان وهناك نكتشف ما انتهي إليه حلم الشهرة بين شوارع باريس حيث ينتهي الأب إلى مجرد رسام ينتظر زبائنه على الرصيف مثله مثل عشرات من انخدعوا بحلم الهجرة لتتحطم أحلامهم على الطريق ويتساوى الفن مع الاستجداء من خلال العزف الموسيقي. أما الصراع الذي يعيشه هاني سلامة فهو إحساسه بالغربة بالوهم الذي عاشه والده ومن خلال لقاء عابر بمجموعة من العرب المهاجرين بشكل غير رسمي ودفاعه عن أحدهم ويدعو عمرو ندرك من الوهلة الأولي أن هذا الصديق هو الخيط الذي سيعود به إلى الماضي ورحلة البحث عن الآخ والأم، حيث يعرف أن عمرو يعمل مع إحدى عصابات المخدرات، ويعيش مطاردا منهم لانشقاقه عليهم، ويوصيه بأن يقوم بتسليم كل مدخراته إلى أسرته في مصر من أجل تربية أشقائه وذلك في حالة حدوث مكروه له، ولا تمر سوى أيام وأثناء هروبه ينقض عليه رجال المافيا ويقتلونه أمام عينين عازف التشيلو ومع عودة هاني سلامة إلى مصر يصطحب معه حبيبته هند صبري ويجوب الشوارع بحثاً عن أسرته حتى يعرف مكان أخيه الذي يغني به وهناك يترك نفسه للتعرف عليه من خلال مشهد راقص يجمعهما بجوار بعضهما البعض وفجأة بعد أن تلتقي نظراتهما يخرجا للوقوف تحت المطر بنفس الوقت مثلما كانا يفعلان في طفولتهما، وهنا يكتشف الأخ أخاه، يعود إلى أحضان أمه وفي مصر نشهد صراعات أخرى بطلها صديق تامر حسني الشاب الضائع الذي يبحث عن حلم الهجرة وهو الحلم الذي تستغله فتاة أمريكية لتسخره من خلال الجنس والحلم لتنفيذ مخططها في بيع الحبوب المخدرة، وبعد أن تنجح في السيطرة عليه وحين تشعر بالخطر تتركه ويكتشف الصديق خداعها وفي مشهد مفتعل نجد هذا الصديق يصطحب حقيبة الحبوب المخدرة إلى سيارة صديقه، تامر حسني ويتسبب في حادثه، ويهرب تاركاً تامر حسني متهماً بدلاً منه، هذا الحادث الذي ساقه المؤلف كسبب لبقائه في مصر بعد أن أوشك على الرحيل بعد صدام مع أمه وأخيه، ويتدخل الأخ الأكبر هاني سلامة للبحث عن الصديق الهارب لتبرئة أخيه ويسافر إلى قريته ويعثر عليه في إحدى مساجد القرية وهناك يقنعه بتسليم نفسه لينتهي الفيلم نهاية سعيدة، ويرسل الابن خطاب للأب طالباً منه العودة والعيش بعيداً عن حلمه المكسور بالشهرة. من أحداث الفيلم تظهر بشكل جلي الرسالة التي أراد أن يوصلها إلينا وهي زيف الحلم بالهجرة وهاجس العنصرية التي نعيشه كعرب في الخارج ورغم أهمية القضية إلا أنه تمت معالجتها بشكل سريع ليتناسب مع الأفلام اللايت، ويؤخذ على السيناريو وقوعه في دائرة السطحية في معالجته لمجموعة من الأفكار الأساسية خاصة المتعلقة بأمريكا والتي تمثلها الفتاة الأمريكية تاجرة الحبوب المخدرة والتي ترمز للانحلال وانهيار الأخلاق، والقوة في نفس الوقت والذي وضح جلياً في مشهد تسلق الهرم، والذي ظهر في المقدمة الفتاة الأمريكية، وأسفلها بدرجات باقي الأصدقاء مؤكدة في جملة حوارية أن الطيبة لا تكفي، بما معناه أن القوة هي الأساس وهي نفس الفكرة التي أراد المخرج أن يؤكدها في مشهد يعبر عن الخنوع الذي نحياه وقوة الغرب من خلال المشهد الذي ظهرت فيه الفتاة الأمريكية تستعد لممارسة الحب مع صديقها• لتجده هو الذي يتخذ وضع النوم على الأرض وهي التي تعلوه، ملقيه بالحزام الذي ترتديه عليه، وهو مشهد رغم أن فكرته جديدة نوعاً ما إلا أنه يحمل الكثير من المباشرة كما أخفق السيناريو أيضاً في التزام الحيدة في عدد من المشاهد ومن أبرزها تكرار المشهد الذي يطارد فيه الجمهور لبطل الفيلم هاني سلامة وهو يحمل كاميرا الفيديو يصور بها في المرة الأولي أطفال الشوارع وفي المرة الأخرى حين طارده رجال القرية وهو يصور أجزاء من حياة القرية أثناء بحثه عن صديق أخيه المجرم، تكرار المطاردة في الفيلم أصاب المشاهد بالربكة فهل المقصود منه هو إظهار الجانب الإيجابي في الشعب المصري الذي يفطن لمحاولات تشويه صورته أم أن المقصود به إظهار الهمجية التي يتعامل بها فما أراده لكاتب السيناريو لم يصلنا سوي الجانب السلبي وهو الجانب الذي يبعد كل البعد عن الواقع وللتأكيد عن الصورة السلبية للإنسان المصري هو مشهد الذهول والإعجاب المبالغ فيه. وإذا تحدثنا عن الإخراج ولكون الفيلم هو التجربة الإخراجية الأولى لسعد هنداوي فقد أراد أن يستعرض إمكانياته بشكل أساء للمعنى أكثر مما أضاف، فقد لعب المخرج على الرمز ولم يكتف به بل أراد تأكيده في كل مرة، وكأنه يلفت نظر المشاهد أنه هنا يقدم رمزا جديدا معتمداً في ذلك على حركة الكاميرا وزاوية التصوير الغير مألوفة منها التصوير من أعلى كما حدث في المشهد الخاص بغرفة النوم بين هاني سلامة وهند صبري وكذلك استخدام لعبة الاختفاء والظهور كما في مشهد القطار الذي يرصد خلاله نزول واختفاء الركاب وبقاء الأب وهذه كرمز للوحدة التي يعيش فيها الأب كما نجح المخرج في التعبير عن الوحدة وبرد الغربة في مشهد عازف التشيلو الذي يشهد موت عمرو على أيدي رجال المخدرات وهو من قبل ثواني كان يشاركه في تناول كأس من الشراب كذلك في مشهد الطائرة الورقية التي كانت رمز البراءة في حياة عمرو قبل السفر والانحراف وبعد وفاته حين وجدناها وقد علقت على إحدي جوانب منزله، ليعود أخيه الصغير بعد ذلك طيرانها بمساعدة أخيه رمزاً لاستمرار الحياة وعدم اليأس. كما يؤخذ على المخرج أيضاً إغفاله للافتعال في الأداء في بعض المشاهد خاصة المشاهد التي جمعت تامر حسني وحبيبته ففيها تصاعد في الوتيرة بدون داع وعنف أحياناً كذلك جاءت بعض المشاهد فاترة أكثر من اللازم مثل مشهد لقاء الأم بابنها العائد بعد طول غياب. أما مونتاج الفيلم فقد تسبب في تشويه الكثير من المشاهد الجيدة، منها المشهد الذي يقارن الأب بما وصل إليه بالعازف المتجول فقد كان به تعبيرات كثيرة لم يمكننا المونتاج من الغوص فيها، وليس هذا المشهد الوحيد الذي كان للمونتاج الدور في الإساءة للمشهد وتشويش المشاهد على العكس الذي أسهب في بعض المشاهد التي لا تمثل الكثير منها مشهد تأمل الأم لابنها لفترة طويلة قبل أن تحتضنه وهو الذي أدي إلى فتور اللحظة، كذلك التركيز علي الحفل الراقص عند والذي أخذ أكثر من المفروض له من مساحة الفيلم. بالنسبة لأداء الممثلين فقد أكد هاني سلامة أنه فنان موهوب اتسم أداءه بالمصداقية والطبيعة في نفس الوقت على عكس أداء تامر حسني الذي اتسم في كثير من المواقف بالأفتعال المبالغ فيه والفتور خاصة المشهد الخاص بحادثة السيارة ولكن يحسب له أنها التجربة الأولى له.. أما مها أبو عوف فقد أتسم أداءها بالعادية، فلم تقدم جديد من خلال دورها على عكس محمد مرشد الذي قام بدور الأب الذي تميز أداءه بالصدق، وكان من الممكن أن يلعب دوراً هاماً بالفيلم إلا أن الرغبة في تقديم الشباب والتركيز عليهم أضاع فرصة لتميز هذا الفيلم ومنحه بعدا آخر أكثر واقعية من واقع المعايشة.. أما هند صبري فقدمت دور جيد بالنسبة لها إلا أنه لم يقدم جديد لها بعيداً عن الإغراء الذي كان السبب في معرفة الجمهور بها من خلال فيلمي "مذكرات مراهقة"، و"مواطن ومخبر وحرامي". يبقي أن نؤكد أن الفيلم حاول المزج بين جدية الموضوع ومغازلة السوق إلا أنه يحسب له عدم الانجراف نحو الاسفاف والأفيهات والاسكتشات الكوميدية لذا فإنه يستحق أن نشيد بالتجربة ككل وسط هوجه الاسكتشات الفكاهية التي سيطرت ومازالت تسيطر على السينما المصرية والتي كان لها الفضل في عودة سينما المقاولات بعد أن اختفت لعدة سنوات.